بحث علمي جديد يؤكد أن الأطفال يكتسبون العلم من خلال السمع والبصر على عكس بقية الكائنات التي تُخلق وهي مبرمجة مسبقاً... |
في بحث علمي حديث قام به العلماء وأظهروا من خلاله نتائج مبهرة لعملية التعلم عند الأطفال، فقد تبيَّن أن الأطفال يولدون ولديهم القليل من المعلومات التي تساعدهم على اكتساب معلومات إضافية، على عكس بقية المخلوقات مثل الحشرات والحيوانات.
فالجرادة مثلاً تُخلق وفي دماغها كل المعلومات اللازمة لممارسة مهامها فوراً، فهي ليست بحاجة لتعلم الطيران، ولن تحتاج من يعلمها الاصطياد وليست بحاجة لمعرفة العدو من الصديق. إنما تكون هذه المعرفة مخزنة في خلايا دماغها من قبل أن تولد!
ولكن الطفل الذي يُحرم التعلّم لسبب ما فإنه سيتعرض لمشاكل في النمو والعقل والإدراك. وهناك أطفال يولدون ولديهم مشكلة ما في بعض أجزاء الدماغ، هذه المشكلة تؤدي إلى عدم القدرة على اكتساب معلومات جديدة، وبالتالي يصاب الطفل بمرض التوحد أو غيره ... وبالنتيجة لا يكون إنساناً سوياً.
بل إن إبداع الإنسان وذكاءه وقدراته العقلية تعتمد على حجم المعلومات المكتسبة أثناء طفولته، وبالتالي يمكن أن نلخص اكتشاف العلماء بنقطتين، وهذا اكتشاف جديد لم يكن لأحد علم به قبل مجيء القرن الحادي والعشرين:
1- يولد الطفل وليس لديه أن نوع من المعرفة باستثناء قدرته على الرضاعة من ثدي أمه، وهذه معلومة ضرورية جداً اكتسبها من خلال مص الأصابع وهو في الرحم، ولولا هذه المعلومة لهلك النسل البشري بالكامل!
2- إن مصادر التعلم عند الإنسان هي السمع والبصر، أما الدماغ فيقوم بمعالجة المعلومات وتخزينها، وعند حدوث أي مشكلة في السمع أو البصر فإن الطفل ينمو نمواً غير طبيعي وتكون معرفته أقل. فمثلاً الطفل الأصم لا يستطيع التعلم مثل الطفل الذي يسمع جيداً... وهكذا.
يؤكد العلماء أن الأطفال يُخلقون وهم لا يملكون أي نوع من أنواع المعرفة، حيث يبدأ الطفل فور ولادته باكتساب المعلومات عن طريق السمع والبصر وتخزينها في دماغه ومعالجتها وتعلم مهارات جديدة باستمرار.
3- جميع الكائنات الحية ابتداء من الفيروسات مروراً بعالم الحشرات وحتى الحيوانات والطيور والأسماك... جميعها تُخلق وهي مزوَّدة بكل المعلومات الضرورية لضمان استمرار حياتها، فالنملة لا تحتاج لمن يعلمها جمع الطعام مثلاً!
تُخلق هذه النملة وفي دماغها كل المعلومات الضرورية لضمان رزقها، فهي تحب المواد السكرية، ولذلك فإنها تُجبر هذه الحشرات الصغيرة (حشرات المن) لتقوم بإنتاج هذه المواد الدبقة التي تحبها النملة، ولكن لكي تضمن النملة بقاء الحشرة الصغيرة فإنها تقوم بإفراز مادة لاصقة تسبب التصاق الحشرة بأوراق الشجر، وبالتالي تضمن رزقها... كل هذه التقنيات خُلقت مع النملة، ولم تتعلمها من أحد، فمن غير الله قادر على تزويد هذه النملة بمثل هذه المعلومات؟؟!
الآن يا أحبتي نقول:
هذه حقائق علمية لا ينكرها ملحد ولا جاهل، ولا يمكن لأحد أن يدعي أن هذه المعلومات كانت متوافرة زمن حياة النبي الكريم (في القرن السابع الميلادي)، بل جميع العلماء يؤكدون أنها اكتشافات حديثة جداً. ولذلك فإن وجود مثل هذه المعلومات في كتاب مضى على نزوله أربعة عشر قرناً، يدل دلالة قطعية على أنه منزل من رب العالمين الذي يعلم السرّ وأخفى.
فالحقيقة العلمية الأولى تحدث عنها القرآن ولخصها لنا بكلمات قليلة وبليغة، يؤكد لنا أننا نحن البشر نولد ولا نعلم شيئاً، ثم نكتسب هذه المعلومات فيما بعد من خلال السمع والبصر والدماغ والقلب، يقول تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]... سبحان الله، هذه حقيقة علمية يتحدث عنها العلماء اليوم، ولكن القرآن أشار إليها بمنتهى الوضوح بقوله: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا).
العجيب في عالم الأطفال أن المولود يبدأ منذ اللحظة الأولى بالتعلم، فهو يميز بين الوجوه وبخاصة وجه أمّه، ويتعلم عملية الجمع والطرح في سن الأربعة أشهر، والطفل الذي يعاني نقصاً أو إهمالاً في تلقي المعلومات فإنه يكون في مستوى أقل من الأطفال الذين تلقّوا تعليماً أفضل... إذاً الطفل بحاجة لمصدر خارجي للتعلم.
كذلك فإن الآية أشارت إلى وسيلة التعلم لدى الأطفال في قوله: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) فالأذن والعين وسائل ضرورية لاكتساب العلم، أما القلب والدماغ فهي وسائل لتخزين المعلومات ومعالجتها. وبالتالي فالآية من آيات الإعجاز العلمي حيث قدّمت لنا سبقاً علمياً في مجال التعلم عند الأطفال.
وهناك إشارة قرآنية رائعة إلى أن الله تعالى هو الذي هيّأ أسباب التعلم لدى الإنسان، وليست الطبيعة أو التطور المزعوم! يقول تعالى: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1-4]، فالخلق أولاً ... ثم العلم (خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)... فسبحان الله!
أما في عالم الحشرات والحيوان والطيور فقد أشار القرآن إلى حقيقة وجود معلومات مخزنة لدى هذه المخلوقات، وأن الله تعالى هو الذي يسيّر هذه الكائنات كيف يشاء وهو الذي يزودها بالمعلومات التي تضمن لها الاستمرار، يقول تعالى على لسان سيدنا هود عليه السلام: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود: 6].
ونلاحظ في هذه الآية أن الله تعالى خصَّ منطقة الناصية وهي مقدمة الدماغ لدى الكائن الحي، وهذه المنطقة هي المسؤولة عن توجيه الكائن أو طيرانه وقيادته لكسب رزقه. وهذه معلومة غير معروفة للناس في ذلك الزمن (زمن نزول القرآن)، ولكن القرآن تحدث بوضوح عن أهمية الناصية عند الحيوانات.
فسيدنا هود عليه السلام يريد أن يقول لقومه بعد أن كذبوه: إن الله تعالى الذي يسيطر على كل الكائنات الحية ويوجهها كيف يشاء، قادر على توجيهي وتوجيهكم بالشكل الذي يريده، وهو على طريق مستقيم، فأسأله عز وجل أن يوجهني للطريق المستقيم الذي يرضاه لي...
إذاً القرآن أشار إلى وجود معلومات أودعها الله في دماغ المخلوقات، هذه المعلومات طبعاً مهمة لضمان الرزق لهذه الكائنات وبالتالي ضمان استمرار حياتها، وهناك آية ثانية تشير إلى ذلك، يقول تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 56].
فما معنى (عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) أي أن الله ضمن لهذه المخلوقات الرزق من خلال تزويدها بالبرامج والمعلومات التي ستستخدمها منذ اللحظة الأولى لخروجها للدنيا، ولولا ذلك لهلكت هذه الكائنات منذ ملايين السنين... فهل نشكر الله تعالى على هذه النعمة نعمة التعلم التي وهبنا إياها؟
لنقرأ الآية مرة ثانية ونشكر الله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
ناشيونال جيوغرافيك.