سوف نتناول شبهة جديدة طالما تغنى بها المشككون وتفاخروا بأنهم وجدوا أخيراً الدليل على أن القرآن محرف... ولكن هيهات.. دعونا نتأمل.... |
هناك ادعاء يروج له بعض المغرضين حول آيات من كتاب الله تعالى، بهدف التشكيك في هذا الكتاب العظيم. يدعون أن القرآن فيه خطأ حسابي، حيث ذكر القرآن مراراً أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولكن هناك آيات ذُكر فيها أن مدة الخلق ثمانية أيام!!
الآيات هي: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ *ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 9-12].
إذاً لدينا ثلاث عبارات هي: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) و(وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) و(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) والمجموع 2 + 4 + 2 = 8 أيام ولكن القرآن ذكر في آية أخرى عدداً هو ستة أيام: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [السجدة: 4]. وهذا تناقض واضح ولذلك فإن هذا الخطأ الحسابي دليل على أن القرآن ليس كلام الله، لأن الله لا يخطئ، وبالتالي القرآن كتاب من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم!!
ولكن ... تمهل قليلاً أيها المشكك..
العبارات الثلاث تختلف عن بعضها بشكل واضح، فالأولى تتحدث عن الخلق: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) والثانية تتحدث عن التقدير: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) والعبارة الثالثة تتحدث عن القضاء: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ). إذاً لا يجوز أن نجمع هذه الأرقام الثلاثة لأن كل رقم له مدلول مختلف.
فالآيات لا تحوي إلا رقماً واحداً يتحدث عن الخلق وهو يومين في قوله: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)، أما تقدير الأقوات للأرض والذي تم في أربعة أيام فلا علاقة له بمدة الخلق (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) ، لأن خلق الأرض تم خلال يومين من أيام الله (وقد يكون اليوم مساوياً مليارات السنين من أيامنا).
كذلك الآية التي تحدثت عن السماء لا تذكر خلق السموات بل تذكر قضاء الله لهذه السماء أن تصبح سبع سموات وذلك خلال يومين (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)، أي أن السماء موجودة ومخلوقة مسبقاً واليومين هما لفصل هذه السموات عن بعضها.
وبذلك لا يوجد أي تناقض في هذا النص الكريم. ولكي نؤكد ذلك فإن الله تعالى عندما يتحدث عن الخلق يتحدث عن التقدير وكأنهما شيئين منفصلين، أي أن الخلق غير التقدير، الخلق يكون أولاً ثم التقدير والتنظيم يكون ثانياً، كما قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]. وقال عن خلق الإنسان: (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عبس: 19]. فالخلق يكون أولاً ثم التقدير وهو التنظيم والتهيئة جعل المخلوق مناسباً لما خلق له.
وكذلك يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا) [الأنعام: 2]. وهنا تتكرر القاعدة ذاتها فالخلق أولاً ثم القضاء ثانياً، وآيات كثيرة جداً نجدها في القرآن تخبرنا بأن الخلق يختلف عن التقدير أو القضاء وهكذا... مثلاً يقول تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) [الأعراف: 11]، وهنا من جديد نجد عملية الخلق ثم عملية التصوير ولكل منهما زمن مختلف.
ونقول كنتيجة منطقية: إن الله خلق السموات في أربعة أيام، ثم خلق الأرض خلال يومين... مجموع أيام الخلق 4 + 2 = 6 أيام.. ولذلك قال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) [ق: 38].... مع العلم أن حقيقة خلق السماء في أربعة أيام لم تذكر صراحة إنما نستنتجها بشكل منطقي لأن القرآن ذكر مدة خلق السموات والأرض وذكر مدة خلق الأرض وبعملية حسابية بسيطة نستنتج مدة خلق السماء: 6 – 2 = 4 أيام.
أما زمن تقدير أقوات الأرض وإرساء الجبال وزمن تشكل الأنهار والبحار... فهذا لا يدخل ضمن أيام الخلق بل ضمن أيام التقدير. وكذلك مدة خلق السماء ليست هي ذاتها مدة فصل السماء إلى سبع سموات بل لكل منهما زمن مختلف... وهكذا تتضح الرؤيا وتزول الشبهة تماماً.
أما من يشكك بهذه الأيام ويقول كم يساوي اليوم الواحد هل هو 24 ساعة أم أكثر... نقول إن مفهوم الزمن يختلف من مكان لآخر.. فالزمن بطيء جداً عندما نقترب من ثقب أسود مثلاً، حتى يصبح اليوم مساوياً لملايين السنين... ولذلك لا يعلم مدة هذا اليوم إلا الله تعالى، ولكن قد يكتشف البشر مستقبلاً حقائق جديدة عن مدة خلق السموات والأرض... وسوف تأتي مطابقة للقرآن من دون شك؟
فاليوم قد يكون ألف سنة كما قال تعالى: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) [الحج: 47]. وقد يساوي خمسين ألف سنة: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) [المعارج: 4]... وقد يكون أكثر من ذلك ... أما مدة الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض بالنسبة لأيامنا على الأرض كم تساوي، فلا يعلمها إلا الله تعالى...
أما عمر الكون والمقدر ب 13.7 مليار عام، فهذا عدد تقريبي يعتمد على معادلات ثابتة. فعندما وضع العلماء هذا العدد 13.7 مليار اعتبروا أن سرعة الضوء ثابتة عبر الزمن، ولكن هناك دلائل تشير إلى أن سرعة الضوء تتغير عبر ملايين السنين، وبالتالي سرعة الضوء غير ثابتة، أي أن هذا العدد غير دقيق... وإن شاء الله نتمكن من استنباط العمر الحقيقي للكون من خلال آيات القرآن، وإنني متأكد من أن القرآن يحوي العدد الحقيقي لعمر كوننا... ولكن المسألة لا تزال قيد البحث.
تقول دراسة جديدة إن سرعة الضوء في الفراغ ليست ثابتة بل تتغير (حسب المرجع رقم 1)، وهناك دراسة ثانية (حسب المرجع رقم 2) تؤكد أن أهم ثابت كوني وهو سرعة الضوء ليست ثابتة بل كانت أبطأ مما هي عليه اليوم قبل بلايين السنين... وهذا يعني أن عمر الكون أكبر مما يعتقده العلماء.
وأخيراً.. المهم أننا استطعنا رد الافتراء بشكل علمي ومنطقي.. وسوف نتناول في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى فرية أخرى .. نرجو من الإخوة القراء المساهمة في نشر هذه المقالة وبخاصة لأولئك المشككين برسالة الإسلام والعلمانيين واللادينيين الذين يرفضون الأديان... عسى الله أن يهدينا جميعاً إلى رؤية الحق... إنه سميع مجيب.
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
1- http://www.popsci.com/science/article/2013-03/speed-light-vacuum-varies-slightly-study-finds
2- http://www.newscientist.com/article/dn6092-speed-of-light-may-have-changed-recently.html