سؤال يطرحه بعض المشككون حول بعض أحاديث النبي الكريم ويشككون في صحتها ومن هذه الأحاديث (لا عدوى ولا طيره) .... |
كان لي صديق يزورني أحياناً وكلما رأيته أجده يعاني من مرض جديد ثم يزول هذا المرض بمجرد تحسن ظروفه أو حالته النفسية، فأحياناً يعاني من مشاكل في التنفس وأحياناً يعاني من أوجاع في الرقبة، وقد تجده أحياناً يشتكي من معدته أو جهازه الهضمي... وهكذا معاناة لا تنتتهي.
وكلما سألني لماذا يحدث ذلك كنت أخبره بأن هذه "حالة نفسية" تسبب له هذه الأمراض وستزول بمجرد تحسن نفسيته وأن يكفّ عن التفكير بالمرض، فالتفكير بالمرض هو جزء من المرض نفسه، ولذلك انفعل ذات مرة من كثرة الحديث عن الحالة النفسية وقال: أخشى أن أموت ثم تقول لي سبب ذلك هو الحالة النفسية!
ولكن وبعد فترة تحسنت ظروفه المادية واختفت معظم المعاناة التي اتضح أن سببها الأساسي هو قلة المال الذي يسبب له المعاناة وبالتالي يؤثر على النظام المناعي مما يضعف الجسم أمام أقل هجمة للفيروسات، وبالتالي زالت الأعراض بمجرد أن تحسنت الحالة النفسية واستقرات وابتعد عن التفكير بالمرض بسبب الانشغال بعمل جديد.
طبعاً أحببتُ أن أبدأ بهذه القصة لأبين لكم أيها الأحبة أهمية جهاز المناعة في تحديد الإصابة بالمرض، فكثير من الناس يحملون فيروسات قاتلة ولفترات طويلة دون الإصابة بها بل تبقى كامنة وراكده بسبب قوة النظام المناعي.
كثيرة هي أمراض السرطان التي تصيب أناساً محددين ولا تصيب آخرين والذي يحدد مستوى الإصابة وشدتها هو النظام المناعي المسؤول عن مواجهة المرض والقضاء على الفيروسات والبكتريا، فهو السلاح القوي في مواجهة الأمراض، ويختلف من شخص لآخر.. إذاً الحقيقة العلمية تقول بأن الذي يحدد الإصابة بالمرض هو النظام المناعي للإنسان.
الآن دعونا نتأمل هذا الحديث الصحيح الذي انتقده المشككون قديماً وحديثاً... قال صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفُـرّ من المجذوم كما تَفرّ من الأسد) [رواه البخاري ومسلم]. ويتساءل البعض: كيف لا يعترف النبي الكريم بالعدوى مع العلم أن العلماء أثبتوا انتقال الفيروسات عن طريق العدوى؟ وكيف يأمرنا النبي أن نفر من مرض الجذام المعدي إذا لم يكن هناك عدوى؟ أي أن الحديث فيه خطأ علمي ومتناقض مع بعضه!
رسم لفيروسات تهاجم خلية وتظهر الفيروسات مثل مركبة فضاء تقترب من الكرة الأرضية لأن حجم الفيروس صغير جداً مقارنة بالخلية. وتعتمد قدرة هذا الفيروس على قوة الخلية ومقاومتها وبالتالي إذا كان النظام المناعي قوياً للجسم فإنه يستطيع بسهولة تدمير الفيروسات مهما كان نوعها، بالتالي لا تحدث الإصابة بالمرض ولو دخلت الفيروسات من شخص لآخر. إذاً لا معنى للعدوى من دون تحديد قوة جهاز المناعة.
والرد على ذلك يكون من خلال دراسة الحديث دراسة علمية في نقاط محددة:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى) هدفه أن يبعد تفكيرنا عن التشاؤم والخوف من المرض والوسواس من المرض الذي يعاني منه الكثيرون فيتحول من وهم إلى مرض حقيقي. وقد قرر الحديث حقيقة علمية وهي أن الإصابة بالمرض ليست مؤكدة أثناء انتقال الفيروسات بين الناس فكل إنسان حسب نظامه المناعي.
فليس كل الناس يصابون بالمرض بل عدد منهم فقط أما الباقون فلا يؤثر المرض فيهم لأن النظام المناعي القوي يمنع الفيروسات المنتقلة من التكاثر والعمل وبالتالي يمنع الإصابة بالمرض، ولذلك فإن قوله (لا عدوى) يتفق مع الحقائق العلمية. أما الطيَرة والهامة وصفر، فهي من عادات الجاهلية حيث كان الناس يتشاءمون من أشياء لا أساس لها أشبه بالخرافات والشعوذات التي حذر منها النبي الكريم ليبعد الناس عن الجهل والتخلف ويضعهم على طريق العلم والحضارة.
2- أما قوله عليه الصلاة والسلام: (وفُـرّ من المجذوم) فالهدف منه أن يبتعد الإنسان عن مكان الوباء ولا يضع نفسه فيه مع التأكيد على أن المرض لا ينتقل من تلقاء نفسه بل بأمر من الله تعالى الذي يحرك الكون بل كل ذرة من ذرات الكون لا تتحرك إلا بأمر الله.
إذاً النبي الكريم حذر من الاقتراب من المرض وبنفس الوقت إذا وقع المرض فلا يعتقد المؤمن أن العدوى هي التي نقلت المرض بل قدره هكذا، وهذا يمنح المؤمن أعلى درجات الراحة النفسية ويبعده عن التشاؤم الذي أثبت العلماء أثره المدمر على الإنسان.
ففي دراسات علمية كثيرة تأكد العلماء أن النظرة المتشائمة للحياة أمر خطير على الإنسان وتضعف النظام المناعي، ولذلك فإن قراءة هذا الحديث والعمل به يعطي المؤمن نظرة إيجابية للحياة ويجعله مطمئن القلب ويسرع في شفائه إذا أصيب بالمرض، فالتفاؤل له آثار جيدة على سرعة التماثل للشفاء.
3- أحاديث كثيرة تأمر بتجنب الاقتراب من المرضى في حالة الخوف من انتقال المرض وهذا يتفق مع نصائح الأطباء اليوم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحّ) [رواه البخاري ومسلم]، أي يجب على المريض أن يتجنب الناس لفترة مرضه لكي لا ينقل المرض لهم، مع العلم أنه في حالة وقوع المرض فلا تقتقد أيها المؤمن أن الإصابة بالمرض بسبب هذا الاقتراب بل أمر مقدر من الله ولا تتشاءم وتخاف بل يجب أن تكون قوي العزيمة في مواجهة المرض لأن الله تعالى قادر على شفائك.
4- النبي هو أول من أشار إلى الحجر الصحي في حالة وقوع الوباء، وقال عليه الصلاة والسلام في شأن الطاعون : (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تَخْرُجوا فِرارا منه) [رواه البخاري ومسلم]. وهذا الحديث يمثل قمة التطور العلمي الذي أراده النبي الكريم للأمة، فهو يعلمهم أسلوب الوقاية الصحيح من الوباء وهو أن يمنع خروج أو دخول أحد من البلد الذي وقع فيه الطاعون.. وهذا يتفق مع العلم الحديث.
وأخيراً يتبين لنا أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد تحدث بشكل علمي عن مفهوم العدوى والحجر الصحي ولم يأخذ بالأساطير السائدة وقتها وهذا ما نراه في كثير من الأحاديث النبوية الطبية ... ونقول لكل ملحد: ما هي الفائدة التي تجنيها من الإلحاد؟ فإذا فرضنا جدلاً أن الله غير موجود (وهذا يناقض المنطق العلمي ولكن نفرض ذلك جدلاً) فإن النتيجة أن الإنسان سيفقد الأمل من أي شيء، ويبقى الظالم ظالماً ويبقى المظلوم مظلوماً دون أدنى أمل بيوم القيامة الذي تُردّ فيه الحقوق.. وسوف لن نجد أي رادع للمجرمين من القيام بالسرقة والقتل والظلم والعدوان... وهكذا سيكون حال البشر بائساً من دون الإله... وبالتالي فإن الإلحاد سوف يكون مدمراً للبشرية.
ولكن إذا كان الله موجوداً بالفعل فسوف تكون كارثة على الملحدين لأنهم سيكونون من أصحاب النار يوم لا ينفع الندم... والنتيجة أن الملحد خاسر في كلتا الحالتين!! سواء كان الله موجوداً أو غير موجود سوف يخسر الملحد، ولكن المؤمن لن يخسر شيئاً في كلتا الحالتين!! بل سيكسب الدنيا والآخرة.. في الدنيا ستكون حياة المؤمن مليئة بالتفاؤل والأمل والعمل الصالح وحب الخير للآخرين، وفي الآخرة سيكسب رضوان الله وجنته والنعيم الدائم.
فكما قال الرجل الصالح في قصة موسى وفرعون عندما قال عن موسى عليه السلام: (وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 28].
لذلك نرجو من جميع المشككين أن يتفكروا في هذا القرآن وفي أحاديث النبي الكريم، وأن يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم: ما هو الضرر الذي سيصيبهم من الالتزام بتعاليم الإسلام الرائعة؟ ما هي أضرار الطهارة؟ ما هي مخاطر التسامح والعفو عن الآخرين؟ ماذا يضرك إذا امتنعت عن الخمر والزنا والشذوذ والفاحشة والمخدرات... ماذا ستخسر إذا اقتنعت بوجود إله كريم رحيم أعد لك جنات واسعة في الآخرة؟ ماذا يضرك إذا عشت حياة نظيفة في ظل تعاليم الإسلام؟ ماذا يضرك إذا علمت أن للكون إلهاً عظيماً يغفر الذنوب ويرزق العباد ويمنحك السعادة والطمأنينة...
والجواب كما أتصور أن الإنسان الصادق سوف يستفيد كثيراً من تعاليم الإسلام، ولكن الذي يتضرر من تعاليم الإسلام هو من يحب أن يمارس الشذوذ والزنا والشهوات، وسوف يتضرر كل من لا يحب العدل والرحمة والتسامح والخير... وأذكركم بقول الله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طه: 123-127].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
Immune system, http://en.wikipedia.org/wiki/Immune_system
http://uhaweb.hartford.edu/BUGL/immune.htm
http://uhaweb.hartford.edu/BUGL/immune.htm